عندما تنطلق فعاليات بطولة كأس أمم أمريكا الجنوبية (كوبا أمريكا) التي تستضيفها الأرجنتين الشهر المقبل ، تصبح جميع أنشطة الحياة في هذا البلد مهددة بالتواري والخفوت بما في ذلك الترتيبات والحملة الانتخابية الخاصة بالانتخابات الرئاسية في الأرجنتين والمقررة في تشرين أول/أكتوبر المقبل.
ولا تمثل كرة القدم في الأرجنتين مجرد رياضة أو بطولة وإنما هي أسلوب للحياة وهوية وعاطفة لمعظم المواطنين بمختلف طبقاتهم التعليمية والاقتصادية ، فالغالبية العظمى من قاطني هذا البلد يتعاملون مع الساحرة المستديرة على أنها أحد العناصر الأساسية في حياتهم اليومية مثل الماء والهواء.
ولذلك تحظى أي بطولة كروية باهتمام بالغ خاصة عندما يكون المنتخب الأرجنتيني (راقصو التانجو) أحد المشاركين فيها بل ومن المنافسين على لقبها.
ويزداد الأمر أهمية في بطولة كوبا أمريكا التي تستضيفها الأرجنتين من الأول إلى 24 تموز/يوليو المقبل نظرا لرغبة راقصي التانجو في استعادة لقبهم القاري الغائب عنهم منذ 18 عاما.
ويأمل المنتخب الأرجنتيني هذه المرة في حصد اللقب للمرة الأولى منذ عام 1993 مستفيدا من المستوى الرائع والخبرة الهائلة التي اكتسبها نجمه الشاب ليونيل ميسي بعد سنوات من التألق في صفوف برشلونة الأسباني.
ولذلك ينتظر أن تتوارى وتتضاءل معظم الاهتمامات الأخرى للأرجنتينيين مقابل سعيهم لمتابعة أنباء البطولة وعروض ميسي ونتائج التانجو الأرجنتيني.
وتدخل كرة القدم حياة المواطنين في الأرجنتين منذ اللحظة الأولى بعد مولدهم حيث تتصدر الكرة وقمصان اللعب قائمة الهدايا التي يمكن تقديمها إلى أي مولود جديد بغض النظر عن نوع المولود أو طبقته الاجتماعية.
وتمثل كرة القدم الهوية الحقيقية للمواطنين بعيدا عن بطاقة الهوية التي يحملونها حيث يمكن تصنيف معظم الأفراد في هذا المجتمع من حيث مهاراتهم الكروية .
كما أصبح الانتماء لأندية كرة القدم جزءا لا يتجزأ من حياة هؤلاء الأفراد وهو ما يؤكده عالم الاجتماع بابلو ألابارسيس.
وتمر الأرجنتين حاليا بفترة معقدة بعد نحو تسع سنوات من التنمية التي أعيقت لفترة قصيرة في عام 2009 .
ونجحت الأرجنتين على مدار السنوات القليلة الماضية في تقليص نسبة البطالة كما وضعت خطة لمساعدة المجتمع في مكافحة الفقر. وتشير بعض الإحصائيات إلى بلوغ نسبة التضخم 25 بالمئة.
وفي نفس الوقت ، تطبق الحكومة الأرجنتينية إجراءات تجارية صارمة لحماية المنتج المحلي والتوازن التجاري رغم الشكاوى التي أعلنتها الاتحادات والشركات التجارية الدولية.
وعلى المستوى السياسي ، تبدو الرئيسة الحالية كريستينا فيرنانديز دي كيرتشنر هي المرشحة الأقوى للفوز في الانتخابات الرئاسية القادمة خلال تشرين أول/أكتوبر بعد أعلنت أنها ستسعى لقيادة الأرجنتين لفترة رئاسة ثانية.
ولم تخل الفترة الرئاسية الأولى لكيرتشنر من بعض التعديلات الخاصة بكرة القدم حيث شهد عام 2009 تأميم التلفزيون مما سمح ببث مباريات جميع الفرق المشاركة في الدوري الأرجنتيني على شاشة التلفزيون وسمح للمشجعين بمتابعتها دون دفع مقابل لشركات وشبكات التلفزيون المشفرة.
وأصبحت مشاهدة مباريات كرة القدم أمرا أساسيا وضروريا في المنازل نهاية كل أسبوع كما أصبحت عنصرا مفيدا في تشكيل الهوية القومية في هذا البلد.
ورغم ذلك ، تعيش كرة القدم الأرجنتينية فترة متوترة حيث عانت الأندية الكبيرة من بعض المشاكل في الفترة الماضية كما غابت الألقاب عن المنتخب الأرجنتيني منذ سنوات طويلة وبالتحديد منذ 18 عاما.
ويعود آخر لقب حصل عليه المنتخب الأرجنتيني ، الفائز بلقبي كأس العالم 1978 و1986 ، إلى عام 1993 عندما توج بلقب كوبا أمريكا.
ولم يحقق الفريق طوال هذه السنوات ما يستحق ذكره باستثناء الميدالية الذهبية لكرة القدم في أولمبياد بكين 2008 ولكن هذا اللقب لم يكن كافيا لإرضاء المشجعين.
وكان إسناد مسئولية تدريب المنتخب الأرجنتيني إلى دييجو مارادونا في نهاية عام 2008 سببا في بعض الانقسامات والاختلافات في الرأي حول مستوى الفريق ولكنه في نفس الوقت أعاد حماس المشجعين تجاه الفريق.
ويعلق مشجعو الفريق آمالا عريضة الآن على نجمهم البارز ليونيل ميسي الذي واصل في الموسم الماضي انتصاراته وإنجازاته مع برشلونة الأسباني ولكنه لم يقدم حتى الآن ما يضعه في قلوب مواطنيه.
وبعد خروجه مع الفريق مبكرا من كأس العالم 2010 بجنوب أفريقيا بالهزيمة أمام المنتخب الألماني صفر/4 أصبح الفوز بلقب كوبا أمريكا الشهر المقبل هو الفرصة المثالية أمام ميسي لاختراق قلوب المشجعين في الأرجنتين وليصبح أسطورة لديهم على غرار مارادونا