لن يكون غريباً أن تفوز أوروجواي بلقبها الخامس عشر في كوبا أمريكا و تنفرد بالرقم القياسي علي صعيد إحراز اللقب, و لن يكون مستغرباً أن تضيف بارجواي أو البيرو لقبهما الثالث في البطولة العريقة , ولكن الغريب والعجيب بل والمذهل أن تسير فنزويلا علي نهج اليونان و تحرز أول ألقابها في البطولة خلال مشاركتها الخامسة عشرة في البطولة العريقة.
في النسخة الثانية عشرة لبطولة الأمم الأوربية التي استضافتها البرتغال في الفترة من 12 يونيو حتى 4 يوليو فاجأ المنتخب اليوناني الذي شارك في النهائيات للمرة الرابعة في تاريخه, فاجأ الجميع وخرج فائزاً في لقاء الافتتاح ضد المنتخب البرتغالي المدجج بالنجوم, فقال البعض هنيئاً لأحفاد الإغريق فوزهم الوحيد في البطولة.
في اللقاء الثاني لزملاء الحارس البارع نيكوبوليدس ضد "الماتادور الإسباني" خرج الفريق بنقطة تعادل ثمينة وضع بها احدي قدميه في دور الثمانية لأول مرة في تاريخه و بدأت تهاني اليونانيين بعضهم لبعض بهذا الإنجاز التاريخي خصوصاً أن الخسارة أمام "الدب الروسي" بهدف لهدفين لم تؤثر في انتزاعهم بطاقة التأهل بفارق الأهداف عن أسبانيا.
ماذا يخبيء هذا الألماني العجوز في جعبته في الأدوار الإقصائية؟ أما يكفيه التأهل علي حساب منتخبين سبق لهما التتويج باللقب ؟ هكذا ردد كل متابعي البطولة قبل أن يفاجئهم المدرب الألماني الكبير أوتو ريهاجل بالإطاحة بفرنسا و التشيك من دور الثمانية والدور قبل النهائي ثم يعاود تفوقه علي رفاق كريستيانو رونالدو ومدربهم البرازيلي الكبير لويس فيلبو سكولاري في النهائي بفضل هدف أنجليوس خاريستياس و يتوج بلقب إعجازي في زمن قلت فيه هذا المعجزات.
قبل انطلاق النسخة رقم 43 لكوبا أمريكا كان المنتخب الفنزويلي هو أضعف المنتخبات و أقلها شأناً و كانت تشكيلته هي الأقل سعراً في بورصة النجوم في كل المنتخبات ال 12 المشاركة عدا المكسيك و كوستاريكا المشاركين بالصف الثاني و الشباب,بل أن مدربه سيزار فارياس كان الأقل عمراً و خبرة بين كل المديرين الفنيين لكل البلدان المشاركة وهو كذلك المنتخب اللاتيني الوحيد الذي لم يسبق له التأهل لنهائيات كأس العالم علي الإطلاق.
المنتخب الذي لم يحقق إلا انتصارين في 49 مباراة لعبها طوال تاريخه في البطولة الذي بدأ مع نسخة 1967 في أورجواي و لم يتجاوز الدور الأول إلا مرة واحدة في النسخة التي استضافها علي أرضه عام 2007 قبل أن يخسر بقسوة أمام أورجواي (1-4), هذا المنتخب الذي يتكون من مجموعة أغلبها يلعب في أندية محلية مغمورة في بلد الزعيم هوجو تشافيز، فاجأ الجميع بتعادل سلبي مع البرازيل في أولي مواجهاته في المجموعة الثانية ثم حقق فوزاً مستحقاً علي الإكوادور بهدف سيزار جونزاليس في الجولة الثانية، قبل أن يُظهر زملاء الحارس ريني فيجا شدة بأسهم في ختام مباريات المجموعة أمام بارجواي و يحولوا تأخرهم بهدف لثلاثة إلي تعادل (3-3) في الرمق الأخير من عمر اللقاء.
يا له من إنجاز كبير لهؤلاء القادمون من كاراكاس, ولكن عليهم حزم الأمتعة والاستعداد للعودة لبلادهم لأن منافسهم في دور الثمانية هو منتخب تشيلي صاحب أفضل النتائج في الدور الأول و الساعي بقوة إلي تحقيق اللقب لأول مرة في تاريخه, هكذا قال البعض قبل لقاء فنزويلا التي حلت ثانية في المجموعة الثانية بفارق الأهداف فقط عن البرازيل مع تشيلي التي تصدرت المجموعة الثالثة بجدارة, قبل أن يفاجئ الفريق الواعد منتخب تشيلي بهدف تقدم به عبر المدافع أوزوالدو فيزكاروندو في الدقيقة 35 ثم يعاود تقدمه مجدداً بهدف زميله في الخط الخلفي جابريل سيتشيرو لاعب نيو أولد بويز الأرجنتيني قبل النهاية بتسع دقائق وبعد 11 دقيقة فقط من تسجيل هومبيرتو سوازو هدف التعادل لفريق المدرب الأرجنتيني كلاوديو بورجي.
في كأس الأمم الأوربية 2004 خرج الثلاثي العملاق ألمانيا و إيطاليا و أسبانيا من الدور الأول و حققت اليونان التي تأسس إتحادها الوطني عام 1926 لقبها الأول رغم أنها كانت أقل المنتخبات المرشحة , وفي 2011 تواري العملاقين الأرجنتين ثم البرازيل خجلاً من دور الثمانية في ظاهرة نادرة ولم يتبقي أمام فنزويلا التي تأسس إتحادها الوطني عام 1926 أيضاً إلا عقبتين لمعانقة المجد و تحقيق لقب تنضم به لعقد المنتخبات اللاتينية التي سبق لها الفوز باللقب, فهل تفعلها و تنطلق الفرحة في العاصمة كاراكاس وكل مدن الدولة التي تحتل المركز الرابع عالمياً في تصدير البترول و ينهمر التكريم المادي و المعنوي علي الفريق من كل حدب وصوب تماماً كما حدث مع اليونان عام 2004 عندما انطلقت الأهازيج في أثينا و سالونيك و كل المدن اليونانية و عاشت البلاد أوقات تشابه الأساطير الإغريقية القديمة ؟
رغم الظروف الصحية الصعبة التي يعيشها الرئيس الفنزويلي هوجو تشافيز و ابتعاده عن بلاده في رحلة علاجيه إلي كوبا , إلا أنه يتابع عن كثب مشوار منتخب بلاده في هذه البطولة و يفخر ويهلل مع كل هدف يسجله (العنابي) كطفل صغير , فهل يقدم له أبناءه اللاعبين الكأس كهدية تساعده في سرعة الشفاء من مرضه الخطير و تطلق فرحته صحبة صديقه الزعيم الكوبي فيدل كاسترو؟ و تصدر فنزويلا مزيداً من القلق للإدارة الأمريكية التي لن تسعد بالطبع بفوز بلد غريمها الأول ببطولة كوبا أمريكا بعد أقل من شهر علي خسارة المنتخب الأمريكي لقب الكأس الذهبية علي أرضه وبين جماهيره أمام المكسيك.
النهائي سيكون في الرابع و العشرين من يوليو الجاري فهل تنضم بارجواي لضحايا فنزويلا خلال قبل النهائي و يضرب المنتخب الواعد موعداً مع الفرحة؟ أم يؤجل ذلك لمواعيد قادمة بعد أن أصبح أحد المنتخبات القوية و الأرقام الصعبة التي يعمل لها الكبير قبل الصغير ألف حساب؟