قبعة على الرأس ونظرة إلى الأرض: كانت هناك لحظة قرر فيها روجيه فيدرر أن كل هذا القدر من النجاح والشعبية قد أثر على أدائه. وحينها تغير. بيد أنه هناك شيئا لا يتغير في السويسري الذي يتم اليوم الاثنين عامه الثلاثين: حب التنس إلى حد لا حدود له ، حتى أن قرار الاعتزال لا يجول أصلا بخاطره.
وأكد السويسري ، صاحب الرقم القياسي لعدد مرات الفوز ببطولات الجراند سلام الأربع الكبرى والذي يراه الكثيرون لاعب التنس الأفضل على مر العصور ، هذا الأسبوع خلال مؤتمر متلفز: "إنني سعيد لأنني أكبر. صدقا أفضل أن يكون عمري الآن 30 عاما على أن يكون 20".
رغم أن النجاح لا يأتي أبدا وحده ، اكتسب فيدرر عادة منذ أعوام: يتحرك في البطولات بقبعة تكاد معها عيناه لا تظهران. ويكتمل المظهر العام بنظرة تبحث دوما عن الأرض.
وقبل أعوام ، قال الرجل الذي هيمن على اللعبة البيضاء لمدة أربعة أعوام ، بين 2004 و2007 ، في سيطرة يكاد لا يسبق لها مثيل "لو لم أفعل ، سأكون مضطرا لتحية كل الأشخاص الذين أصادفهم. فالجميع يعرفونني ، وأنا أعرف الجميع. إنه أمر منهك بعض الشيء".
ويمكن لفيدرر أن يختفي خلف قبعة ، وأن يخفض بصره ، لكن مع ذلك كله لن يستطيع أحد أن يسلبه لقب المصنف الأول خارج الملاعب. فمن الصعب تذكر أي رياضي بمكانته وهو يلعب دور البطولة الذي يجيده السويسري أمام وسائل الإعلام ، التي يتحاور معها بالإنجليزية والفرنسية والألمانية والألمانية بلكنة سويسرية بإجادة تامة. يمكنه بعد كل مباراة الحديث 40 دقيقة كاملة دون أن يفلت منه سؤال واحد.
وذلك لا يعني أنه يعجبه كل ما يستمع إليه. فإذا ما أحس أن السؤال يلمح إلى اعتزاله أو يقلل من أدائه ، تكون إجابته شديدة القسوة والسخرية في آن واحد.
بعد خروجه هذا العام من دور الثمانية لبطولة ويمبلدون على يد الفرنسي جو ويلفرد تسونجا في مباراة كان متقدما خلالها بمجموعتين ، سئل عما إذا كان أداؤه في المجموعة الخامسة الذي بدا مفتقدا للمجهود بمثابة مؤشر على خسارة مباراة كانت في المتناول. وقيل له "كيف تفسر ذلك؟".
جاءت نظرة فيدرر حانقة على الفور: "ربما لأنني عندما كنت أخسر أربع مباريات طيلة العام لم أكن أضطر للعب خمس مجموعات. ربما كان يمكنني أن أزين إحصائياتي بشكل يجذب الانتبها بعض الشيء بأن أتقدم بمجموعتين لواحدة في كل مباراة ، وربما كنت سأفوز في كل الأحوال بمباريات من خمس مجموعات ، لأنني كنت أفضل من الجميع بكثير".
وتلك هي كلمة السر بالنسبة لفيدرر الحالي ، أنه لم يعد "أفضل بكثير" من منافسيه. لديه مشكلة نفسية واضحة عندما يواجه الأسباني رافاييل نادال ، الذي هزم أمامه 17 مرة من إجمالي 25 مباراة جمعت بينهما ، والصربي نوفاك ديوكوفيتش والبريطاني آندي موراي يتغلبان عليه كثيرا ، وآخرون يلاقونه دون رهبة ، بل ويهزمونه في بعض الأحيان.
ومع تراجعه إلى المركز الثالث عالميا ، بعد أن ظل المركزان الأول والثاني حكرا عليه هو ونادال خلال سبعة مواسم من 2004 إلى 2011 ، يبدو فيدرر مقتنعا بأنه قادر على العودة للفوز بإحدى البطولات الكبرى ، الأمر الذي لم يحدث منذ عام 2010 في أستراليا. وإذا لم يفعل ذلك في غضون عدة أسابيع خلال بطولة أمريكا المفتوحة ، سيضع نهاية لتسعة أعوام متتالية فاز خلال كل منها بلقب واحد على الأقل بين الأربع الكبرى.
ومع ذلك ، فإن هذا أيضا لا يقلق السويسري وفقا لتأكيدات المقربين منه ، حتى لو كان هذا العام لم يفز سوى بلقب واحد صغير.
ويقول توني جودسيك وكيل أعمال فيدرر في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د ب أ) "الأمر المهم بالنسبة لروجر الآن هو أن يعرف أنه قادر على الوصول إلى المراحل الأخيرة والمنافسة مع أفضل اللاعبين"، قبل أن يرد على سؤال حول إمكانية اعتزال السويسري قائلا إن سيستمر في اللعب "15 عاما أخرى".
ولو قرر الرحيل فمن شأن ذلك أن يصبح خبرا رنانا في عالم التنس ، لأن فيدرر حمل هذه الرياضة إلى مستويات فائقة لم تكد تشهدها اللعبة من قبل. وهو لا يحب تصنيفه كأفضل لاعب تنس في التاريخ ، بل يفضل الحديث عن "عصور"، لأنه لا يجهل تألق بيل تيلدن أو رود لافر أو بيورن بورج أو بيت سامبراس في الماضي.
وكوالد لطفلتين توأم ولدتا قبل عامين ، يتنزه مع زوجته لاعبة التنس السويسرية السابقة ميركا فافرينيك حيث يدفعان عبر قاعة اللاعبين عربتين للأطفال تقلان الصغيرتين ميلا روز وتشارلين ريفا اللتين تشعران بسعادة بالغة.
وكان من الممكن لفيدرر أن يصبح لاعب كرة ، لأن الشاب كان موهوبا للغاية ، إلا أنه اختار التنس بينما كان يحلم بأن يعزف على الجيتار مثل أنجوس يانج أو ليني كرافيتز.
كان من الممكن كذلك ألا يصل بعيدا ، لأنه في شبابه بمدينة بازل كان يفقد أعصابه سريعا ويحطم المضارب.
لكن فيدرر عرف كيف يغير بوصلة تاريخه كي يصبح له أحد فصول التاريخ. فهو كساعة سويسرية للتنس حيث فاز تقريبا بكل ما كان يمكن الفوز به في اللعبة البيضاء. الآن يتطلع إلى الذهبية الأولمبية العام المقبل على ملاعب ويمبلدون اللندنية. رغم أنه يشعر، أيا كان ما سيحدث ، بأن المهمة قد أنجزت: "إنني أعيش في سلام مع نفسي".